هذا الصباح ..
( فلانة تتصل بي ) :
- كل عام دراسي وانتي بخير!
لم تأخذ مني كلام .. سوىالتحية والسلام
وليس سواه
تجاهلتها كأني لم اسمعها
كررت علي السؤال
- كيف حال الناس كلهم ؟
- بخير
- وحال امك؟
بخير
ماذا عن الاخوان ؟
- كلهم بخير !
- ابناء عمتك
لا تاخذي مني كلاما اخرا ،
فانا لا اجيد سوى " بخير "
وبقية الأشياء ..
لا تتدخلي !
سنن الكلامِ تقول :
" إن الناس كلهم بخير "
فالاهل والاحباب
كلهم بخير
ففلانه قد خسرت زوجها ..
بخير
وفلانه انهكتها مشاكل دراستها وهي
حتما بخير
وفلان السرطان انهك جسده .. اجل بخير
وابو فلان ، نوبة قلبية ؟ ، لا .. في العناية .. يا اختي.. وبالف خير
واخو فلان ، حدث خلل مافي رجله واجرى العملية .. وهو بألف خير !
وفلان.. انكسر قلبه وسافر و لم يعد و هو جدا بخير
الناس التي تحاول زرع الفتنه في البلاد وتشعل نفوس الاخرين بالحقد والكره ولكن الجميع بخير
لا تساليني لقد تعبت من التجني
وتعبت من تسجيل سيرتهم بدمي ،
لا تاخذي مني ، فاني ..
قد اكف عن الكلام لكي افكر !
- " وكيف حالك يا ترى ؟ "
لا تسالي
... فقط اكتفي بما يقوله الناس عني :) .
_____
تحذير ثقافي :
طول الموضوع لا يعني ان هناك شيئا مهما ينتظر ان يقال ، او يحدث ،
انها فقط طريقة اخرى لممارسة التنفيس عن الغضب بشكل غير ملفت ! .
فيما مضى ..
كنت اكتب بنفس اندفاع الشخص السمين الذي ياكل بافراط بدون ان يراقب معدلات الكولسترول والضغط والسكري
والان انا اكتب بطريقة تلك العجوز التي تجلس على الكرسي المدولب وتاخذ ابر الانسولين
وحبوب الضغط وتعاني من الام المفاصل والذبحة الصدرية .
فيما مضى ..
كانت الافكار تلاحقني وتتمسك بي كمتسولين في القاهرة
مديونا ليست لديه نيّه السداد ! .
فعزمت على ترك الكتابه ؛ لانها لم تعد تغريني ، لذتها في السابق تكمن في كونها كانت فعلا مشردا لا أب له ولا أصدقاء ،
والآن هي أشبه بذلك الرجل العاري الذي يلتف حولهُ العشرات من المحدقين ، ولا يشيحون بانظارهم حتى للمجاملة .
ليس ممتعا بالضروره ان تكتب وخلفك من ياخذ عينات من حبرك ، يشم حروفك بطريقة بوليسية ، ثم يومئ براسه إيجابا لكي تعبر شحنة عباراتك بسلام .
نحن نحب الكتابة ، نفهمها جيدا، وبما اننا جميعا مطلعون على أسرار المهنه، ليس غريبا ان يعترف احدنا باننا لم نكتب الا لاننا اجبنَ من ان نفعل شيئا اخر ،
او لاننا فشلنا في بقية الامور الاخرى فشلا ذريعا ! . وانا – ايضا- فشلت في كثير من الاشياء قبل ان اكتب، وبعد ان كتبت لم يقلّ فشلي عمّا كان عليه ،
بل قد يكون ارتفع بطريقة ما !!
لم أبدأ بعد ..
أرغب بشدة في ان اكذب، ان اقول كثيرا من الكلام الكاذب، وارغب ايضا ان تصدقوني ! .
لنجعل الأمر محترما، أكذب أنا ، وأخبركم بأنني أكذب ، وتصدّقونني ، وأنتم تعلمونَ جيّداً بأنّني كاذبة ! .
وبهذا ؛ لا أشعرُ أنا بتأنيب الضمير، ولا تشعرون أنتم بالغباء ! .
بعد ان يقتنع البعض داخليا بانهم مزيفون ، ومنهكون ، وممتلئون بالضباب والتردد ! .
لا تصدّقوا الثّقة التي يبديها هؤلاء حيال أنفسهم ، ولا مقدار صدقهم ولا شجاعتهم ، انهم اكثر جبنا من الفار الذي شاهدته اختي اليوم وهي خارجه من المنزل حيث هرب ليختبئ خلف الباب هربا من صراخها ،
وأنا – كغيري - لا أريد شيئا سوى ان يتم تصديقي ، كبائع مصري - مع احترامي للجميع - ، كتائب سابق ، كمدمن في مشفى
،
كطالبة ثانوي امام غرفة الإدارة ، كخادمة على وشك السفر ، كلنا - على اختلاف كذباتنا - نريد ان يصدقنا احد ... اي احد ! .
لا زلت لم أبدأ ..
انا - ككل الاخرين - من اجل ان أثبت إخلاصي وصدقي ، علي ان اجد من اكذبه، واتهمه بالعماله، بالتواطؤ ، بالسخافة ،
اي شيء يظهرني بمظهر جيد ! . ومن اجل ان اثبت انسانيتي، علي ان أكره أحدا ! .
ومن أجل أن أثبت مثاليتي ، علي ان أجد - وأختلق إن لزم الأمر - عيوبا فيمن كرهته ؛
حتى لا يشك الناس في قلة حيلتي ، ولا يجدُون وقتا للبحث في عيوبي ! .
ولمّا أدركتُ المعادلة، حاولتُ أن أستغني عن كُرهِ النّاسِ ، إلى كُرهي ، وعن محبّتهِم، إلى محبّتي ؛
فأنا وحدي أعلمُ بعيوبي ومزايَاي ، ووحدي من يعرف أنني لا أظلمُ نفسي إن كرهتها، ولا أتملقُ إن أحببتها ! .
الناس ..
إذا تحدثت عنهم .. اغتبتهم ، وإذا سكت عنهم .. لم أتحدث مطلقا ! ؛
لذا تركت الناس ، وانشغلت بي ، فإن تحدثت بمساوئي لم تكن غيبة ولا نهشا في عرض ،
وأنا – بالطّبع - لن أتحدّث عن مساوئي ! .
النّاس ..
أنا أيضاً – كالجميع - أتحدث عن نفسي بمنأى عن النّاس ، أغضبُ من هؤلاء النّاس ، أشتمُ هؤلاء الناس ، أرمي بفشلنا على هؤلاء النّاس ،
أهربُ من هؤلاء النّاس ، أتبرّأُ من هؤلاء النّاس ... وكلّ الآخرين يفعلونَ مثلي، فنحن حقا نمقت هؤلاء الناس ! .
أقسمت على نفسي ألا اتدخل في شؤون الاخرين ، أن أبتعد قدرَ الصّمت ، أن أضربَ رأسي في جدارٍ خشنٍ قبل أتدخّل في شؤونهم ،
ولكنهم يفعلُون ! ، ولكنهم يدخلُون بيني وبين ربي ، وبين نفسي ، بيني وبين اهلي , وبين من احب ، ويضعون لأنفسهم تلك الصلاحية ،
ليس سوءا فيهم بالطّبع ؛ فهم " يحبون الخير لي " كما يقولونَ دائما " ، ويعتقدون أنّني لا أحب الخيرَ لنفسي ، أو أنّني لا أحبُّ الخير بشكل كافٍ ! .
ولو أنني سأطيع الناس..
لوافقت على الـ 743 رجل حاول استمالتي ، لصبغت شعري ثلاثين مرّة في الأسبوع ، لسافرت إلى ستين دولةً في الصيف ،
ولفتحت معرضي الخاص وأغلقته و فتحتة مرة اخرى
لهذا لم أعد انصحُ أحدا؛ فلا أحب أن أكون الشخص السادس لهذا اليوم الذي ينصحهم بالزواج ، او بزيادة مدخولي اليومي على حساب الاخرين
!،
ولم أعُد أطيقُ الكلام عن الآخرين ، فأنا من " الآخرين " بالنّسبة لأحدهم دائماً ، بل في الواقع .. أنا من الآخرين بالنّسبةِ للجميعِ .. سواي ! .
التعويل على الآخرين لن يجلب سوى الحزن ..
ما أكثر الغبارَ على ثيابي ! .. أحاولُ النّهوض بجسدي ، جزءاً جزءاً ، مللت من طلب الأيادي ! .
أكرهُ طلب المُساعدة ، والتعويلَ على كميّةِ الخير لدى الآخرين ، ولا مانع لديّ أن يحتاجني النّاس ، ما دمتُ لا أحتاجُهم ! ، ويُزعجني ويُهينني أن أحتاج
إلى أي إنسان ! . الحاجةُ للضّعفاء إلى سواهم ، وأنا أمقت الضّعف كثيراً ، وأنتقصهُ ! ، وأعرفُ أنّني أحتاجك
الخلَل ..
الفكرةُ لدينا تتحوّلُ إلى نص ،
والفكرةُ لديهم تتحوّلُ إلى مُنتَج ! .
وما بدأتُ ..
للأسئلةِ التي نطقتها لها ملوحة لا تُطاق ، أملحُ من البحرِ إذا شُرِبَ بعد عطَش ! ، وللإجاباتِ إذا أجبتُ ، طعمُ الصّديدِ ولونُ الطّحالب وملمسُ الصّخور الزّلقة ،
وللأفكارِ التي تدورُ بينهما رائحة ، تشبهُ رائحةَ القواربِ التي هجرها الصيّادون ، بدون أن يُعطوا للشّراعِ سبباً واحداً لرحيلهم المُفاجئ ! .
كلُّ هذا يعني .. أنّ الإنسان يعيشُ أكثرَ عُمرهِ على شاطئ ، ما بين سؤالٍ ، وإجابةٍ ، وفكرة ! .
لا زلتُ لم أبدأ ..
أبكي لأنّني لم أفهَم بعد، لم أفهم نفسي ولا الآخرينَ ولا العالَم ، أبكي لأنّ الإنسانَ في داخلي لم يعُد يفقهُ شيئاً ! . أبكي لأنّ ضميري أصيب بالجنُون وأصبح يتبوّلُ في ثيابِه ،
أبكي لأنّني أصبحتُ أشاهدُ الفقراءَ على الشّارع ولا أبكي ، ولا أمُدُّ لهُم يدي . أبكي لأنّ البكاءَ أصبحَ سهلاً جدّاً ، ورخيصاً كالسُّعال ، ولم يعُد له في قاموسي أيّةُ دلائلَ نبيلَة ! .
أنامُ أنا أيضا، وآكلُ ، وأشربُ ، وجميعُها أشياء أخجلُ من فِعلها، وأستحِي، وأفعلُها كلّ يوم ! .
ماذا سأقولُ لربي في قبرِي ، سوى أنّني كنتُ أنامُ وآكلُ وأشربُ ، ولا أبكي لأسبابٍ نبيلَة ! .
لكنّني حسمتُ أمرِي ، وعُمري ، وأدركتُ أنّ القضيّةَ التي أريدُ أن أموتَ بسبَبِها ، لتعيشَ بسببي ... هو ازدراءُ جميعِ القضايا ، وتكذيبِ جميعِ من وهبُوا أنفُسَهم للأوهامِ الكبيرة ! .
أرغمُوني هم على التوقيعِ على تعهُّدٍ وطنيّ يقولُ بشكلٍ أو بآخر ( لا تتدخلي في شؤون الاخرين ولا تحاولي مساعدتهم حتى لو كانوا يطلبونها بشده , لانك بذلك سترهقين نفسك ) وكلامٌ آخرُ كثيرٌ .. وكبير ،
لكنّني رفضتُ التّوقيعَ على تلك الفقرةِ ، وطلبتُ التّعديل ؛ بحُجّةِ أنّني قد أتخلّى يوماً عن أنانيّتي .. واساعد الآخرين ! . وندمتُ الآن أنّني لم اوقع ، بل حدث شي اسوأ،
ليس ما هنالكَ أكثر بلاهة من أن تعيشَ حياتكَ من أجلِ الاخَرين ، وأحقرُ من أن تموتَ جائعا وفي فم غيرِك لقمةٌ كانت لك .
لو أنّني تخلّصت من تلك المثاليّاتِ التي عبثتْ برأسي. ما السوءُ في أن اكون أنانيه؟ ماديّه ؟ لا اعيش الاا من أجل نفسي ؟ لماذا اشعرُ بالذّنب شخص لا يعرف مساعدة نفسه؟ ،
وأنا التي بذلتَ كلّ طاقتي لاصل إلى مراحل الارتياح ، أليس هو من اختار ان يكون في هذا الوضع؟ ؟
ولنفترض أنّهُ كان أقل حظّاً مني- أنتَ الذي ورثت الصفات التي تجعلني لا اطلب مساعدة الغير مهما كان الامر - لماذا اشعر بالذنبِ ولم اكن أنا من اختار صفاتي أو صفاته ، ثم.. من أنا حتى اغير صفات الانسان ؟ .
تنازعني نفسي ان القي بنفسي إليه لمساعدته ، لكن ، سأكون لئيمه هذه المرّة ، ولن افعل ، سأغادر طريقه بعد ان ابصق متمتمةَ .. أنّ مشاكلَ الآخرين ليست من شأنك يا فاطمة ،
سأندهشُ حقا من الفائدة التي سأجنيها من هذا القانون ، و طبعا سيسمّونني حقيرة ، وضيعةَ ، لكنني وعلى الأقل لست منافقه وتعيسه وتعيشُ وفق جداول وضعها لي الآخرين كما يشاؤون
وللمرة الأولى سأفتح التلفازَ والجريدة ، وستبدو لي اخبار القتل والانتحارِ شبيهةً بإعلانات بيعِ الشّقق والتنازلِ عن الخادمات ، جميعُها هنالك ، تخاطبُ جانبي اللاّ مُكترث ،
وسأعطيها قفاي في النّهاية ، وفي حالةٍ نموذجيّة سأسكبُ عليها الشاي، وسأنهضُ غاضبة لارمي الجريدة المبلّلة لينتهي العالمُ بكلّ مآسيهِ وكدماتهِ الحديثة ،
في قمامتي التي – ولوهلةٍ - بدَتْ حين احتضنت تلك الجريدةَ ببرودٍ تامّ ، أكبرَ من العالم نفسِه .
أجل ، سأكُون قمامة ! ..
- أعني - ألبس الحالةَ الشعوريّة للقمامة ، سأكُون بذات البلادةِ والسّخرية ، فالقمامةُ - على عكس ما قد يبدو - أسعدُ بكثيرٍ ممّا نعتقد ، قد تكون خسرتْ احترامَ الجميع ،
لكنّها لا تبحثُ عن احترامِ أحد ، والاحترامُ كلمةٌ عاليةُ القيمةِ للأشخاصِ التُّعساء، لأنّهم ضُعفاء ويحتاجُون تأكيدَ الآخرِ دائماً على أهميّتهِم وجدواهُم ! .
لكنّنا - أنا والقُمامة - فهِمنا اللعبة قبلهم جميعاً ، وأعدت تجميع ذكرياتي لاقوم بإلقائِها عبر النّافذة.
احتقر معي الاحترام ، الاكتراث ، والتّعاطُف ، وساكون أكثر شجاعةً في إعلانِ إلحادِي بمشاعرِ الآخرين ، وهمومِ الآخرين ، فالآخرين لم يُقدّموا لي شيئا، طوالَ وجودي معهُم ،
سوى نفاياتِهم ، ولأجل أن تصدّقوني، اسألوا القُمامة ! .
الانسانية والمشاعر الانسانية والتعاطف تثيرُ غثياني أحياناً ، ولطالما أردتُ أن أخبر الجميع بذلك، ولكنّني كنتُ أخشى أن أبدو أمامهم مخلوقاً بشعاً انانيا،
الآن سأتشجّع ، لم يعُد يهمّني أن يظنوا أنّني بشعةٌ وغير إنسانيةٍ مطلقاً ، فأنا أكرهُ البساطَة ، والبُسطاء إذا تحدّثوا أو أكلُوا أو نامُوا ، يثيرونَ اشمئزازي ؛
لأنّ البساطة في العيشِ والحياة ، تشبهُ البساطةَ في التّفكير، فهي تقتربُ من أن تكون غباءً ، بل إنّها شكلٌ آخرُ للغباء .
سأخبركَم أكثر، وسيصدِمكم أن تعرفَوا أنّني أشعرُ بالغثيانِ في الوقت الذي يُمارسُ فيه الأشخاصُ التّعاطُف ، يثيرُ غثياني أن أداعبَ أطفالَ الآخرين وأخبرَ أمّهاتهم
بأنّ أبناءهم يحملونَ ملامحَ جميلة ، وأنا في صميمي أجدُ أن أبناء إبليسَ قد يكونونَ أكثر وسامةً وأدباً منهُم ، يثيرُ غثياني أيضاً أولئك الأشخاصُ الذين يقصُّون علي مآسيهم
وينتظرونَ منّي عباراتِ الشّفقةِ ونظراتِ التّعاطُف ، وأنا أبذلُها لهم بسخَاء، ومن حينٍ لآخر، قد تنزلقُ من عينيّ نظرةُ اشمئزازٍ حقيقيّة، لم يفهموها مطلقاً ؛
لأنّهم لم يُصادفوا مثلها في حياتهِم . يثيرُ غثياني أيضاً أولئكَ الأشخاصُ الذين يفتحونَ أفواههُم ويعتقِدون أنّ مُساعداتِ الآخرين لهم هي حقٌّ لهُم وليست فضلاً .
صدّقني ، كنتُ مثلكم يوماً ، بل أكثر ، كنت أحزنُ بشكلٍ مُبالغٍ به ، على همومِ أوطانٍ لا تخصّني، وأناسٍ لا أهمّهم ، وكنتُ أصدّقُ حرقةَ القضايا ، وحموضة المواقفِ الوطنيّة و مشاكل عائلتي التي لا تنتهي ،
أخبركم هذا وأنا أشعرُ بالغثيان ، وبالغباءِ المُسرِف ، جميعُهم يتزاحمون لكي يكونوا أبطالاً ونبلاءَ وأصحابَ قضايا ، وينفقون أعمارهُم ببلاهةٍ ليستلموا صكوك البطولة الآنيّة ،
وأنا لا أنوي أن أكون بطلةً بقدر أن أكون متسكّعة ، متسكعةً بإتقانٍ وكيفما يروقُ لي ويجعلُني أنتشي ، أمّا هم .. فمساكينُ هم وقضاياهم وتضحياتُهم المُضحِكة ،
ولو كان لديّ كلبٌ لجعلتُه يتبوّل على كل ذكرياتي دفعة واحدة . إنّها تلك البساطةُ التي أحاربُها ، والآن لم تعُد تزورني المشاعرُ الأوّلية ، بل أصابُ بمشاعرَ معقدّةٍ
يصعبُ تفكيكُها إلى موادّ خامٍ تنطوي على السّعادةِ أو الحُزن مثلاً . لا أرغبُ في العودة إلى حالتي الماضيَة ، فالآن أشعرُ بأنّني أكثرُ سطوةً وتحكّماً ،
وليس بإمكان أيّ شخص أن يهزمني شعوريّاً ، أو أن يتصرّف بطريقةٍ تؤذيني أو تُسبّبُ لي الألم ، أصبحتُ أنا من يُسبّب الألم دون أن يكون الأمرُ متبادلاً بيني وبين الآخرين ،
لكنّني أمتلكُ أخلاقاً عاليةً جدّاً - على عكس مشاعري المتدنيّة - فلا أستغلُّ أحداً . لهذا اختلفتُ كثيراً والآخرين ؛ فأنا أنزعجُ من تدنّي أخلاقِهم وهم ينزعجونَ من تدنّي مشاعري ! .
وأعرفُ تماماً عن شرَفي بقدرِ ما أعرفُ عن وقاحتي ، وأدركُ أن غزارة نُبلي توازي انعدامَ تعاطُفي .
الآخرونَ هم الفكرةُ السيّئةُ في كلِّ مشرُوع ، الخطأُ الذي تُقسم – يوميّاً - أنّه لن يتكرّر، الطبيبُ الذي تدخلُ عليه بألمٍ في البطن وتخرجُ منهُ بورقة طويلةٍ من الأدويةِ
التي يجب أن تتناولَها والعياداتِ التي يجبُ أن تزورَها وإلا ستمُوت ! ، الآخرون هم الظّرفُ الأخير الذي يفسد جميع الخططِ السّلسة ، هم المعنيُّون بالعبارَة ..
" واجهتنا بعض العقباتِ البسيطة " و " الظّروفُ لم تكُن في صالحنا " ، وهم دائما الاستثناءُ السيّئ الذي يتبعُ " ولكن " .
فكّر كم كنتَ لتكونَ سعيداً لو عشتَ بدون الآخرين ، بدون أن تخشى من ألسنتِهم حين تسافرُ وتتزوّجُ وتشتري سيّارةً وتنشئُ مشروعاً يفشلُ بعد شهرين ،
فكّر – فقط - بالسعادةِ التي تنتظرُك لو توقّفوا عن طلب مساعدتك وتعكير مزاجك و إملاءِ شروطِهم عليك، بل وأفضلُ من ذلك ، فكّر لو أن شروطكَ الخاصّة أصبحت تسرِي عليهم ! .
وسُحقاً كبيرة للآخرين ، فهم ليسوا جحيما بل إنّهم حشرةٌ صغيرةٌ ملحاحةٌ ومُزعجة ! .